سلمان بن عبد العزيز، الجانب الآخر... كتاب مثير للاهتمام لسببين اثنين، أولهما هو صعوبة الإتيان بجديد عندما يدور الحديث عن شخصية معروفة محليا وعربيا وعالميا، خاصة إذا كانت في علو قامة خادم الحرمين الشريفين، والثاني جانبه الموضوعي في الكشف عن الجوانب المجهولة بالنسبة للكثيرين، في شخصية سلمان بن عبد العزيز وحياته الخاصة.
الكتاب الذي صدرعن العبيكان، من تأليف زين العابدين الركابي، وهو يقع في ثمانية فصول، يبدأ أولها بالمقارنة بين شخصية الملك عبد العزيز، وبين نجله الخامس والعشرين الذي ورث عن أبيه العظيم حظا موفورا من الخصائص والمواهب، كالذكاء المتوقد وسرعة البديهة، وقوة الإيمان، وقوة الذاكرة التي لا غنى عنها لكل قائد ناجح، وموهبة الانتظام في العمل وتقدير الوقت إلى درجة أن موظفي الإمارة يضبطون ساعاتهم على وقت حضوره اليومي... ومن الخصائص المشتركة المهمة أيضا، ذلك الشغف المعرفي والنزوع إلى تحقيق تنوع ثقافي متعدد المصادر، فهو يقرأ في الدين والتاريخ والسياسة والاقتصاد وعلم الأنساب والاجتماع وهو صديق صدوق للكتاب في السفر مثلما هو في المقام، ولعل مكتبته المنزلية خير شاهد على مستوى اهتمامه بالجانب الثقافي إذ تحتوي رفوفها على ما يزيد عن ستين ألف مجلد تغطي ثمانية عشر ألف عنوان متنوع يشمل مختلف حقول المعرفة وميادين الثقافة .
من السمات المشتركة التي يرصدها الكتاب كذلك، المتابعة النشيطة والاطلاع المتجدد على الأحداث اليومية المحلية والعالمية، وذلك من خلال القراءة المباشرة للصحف، والاتصالات المباشرة، والزيارات والعلاقات الخارجية مع المنافذ السياسية والدبلوماسية المهمة، ومتابعة التقارير اليومية التي تقدم إليه يوميا باعتباره حاكما إداريا. تتم المتابعة كذلك من خلال مكتبه الخاص ذي النشاط الجم الذي يرصد كل شيء في الإعلام المقروء والمسموع والمرئي ويقدم عنها خلاصة وافية للأمير. من الناحية الإدارية وفن الحكم يجتمع السلف والخلف على مبدأ بسيط ومهم في آن، وهو التسامح تجاه الفرعيات والحزم تجاه الأساسيات التي لا يقبل فيها صفح ولا شفاعة وهي: الدين وأمن الدولة وحقوق الناس ودماؤهم وأعراضهم. في فصل لاحق بعنوان ( المفهوم التنويري للدين) يتناول الكتاب الشعار الذي عرف به سلمان بن عبد العزيز وهو " لنفكر ونبدع في ظل لا إله إلا الله "، متتبعا في ذلك خطى والده في الفهم المستنير للإسلام، والتمسك بالثبات والتجديد في الوقت ذاته، فالثبات، هو ثبات التلقي من المصدرية العليا وهي القرآن والسنة المبينة عليه، وثبات مصادر التشريع لا يعني جمود الفهم والتحجر وعدم الانفتاح على كل ما هو جديد ومفيد، وهو الذي قال : " إن الذي لا يتغير قط هو القرآن والسنة، لكن ثباتهما لم يمنع من سن الأنظمة التي تتطور بتطور الأزمنة".
في الفصول الأخيرة للكتاب نتعرف إلى المهارات السياسية والملامح الإنسانية التي تميز بها، ففي الإدارة تقع الشورى في مركز اتخاذ القرار، لكن المرونة والقبول بالآراء المختلفة قبيل الموافقة على القرار، يتحول بعد اتخاذه إلى حزم وعدم تساهل في التطبيق. أما فيما يتعلق بالجانب الإنساني والنشاط الخيري، فقد بدأت المسيرة منذ العام 1956 عندما ترأس لجنة لجمع التبرعات وإرسالها إلى المتضررين من العدوان الثلاثي على مصر، ورأس في العام نفسه لجنة أخرى لجمع التبرعات للشعب الجزائري، وفي 1967 ترأس اللجنة السعودية الشعبية لمساندة مجاهدي فلسطين، تلتها رئاسته للجان عديدة لإغاثة منكوبي كل من باكستان (1973) و أفغانستان (1980)، والمتضررين من كوارث السيول في السودان (1988) ولمساعدة المواطنين الكويتيين أثناء الاحتلال العراقي للكويت (1990)، وفي 1991 ترأس اللجنة المحلية لتلقي التبرعات للمتضررين من فياضانات بنغلادش ...وهذه كلها ليست سوى نماذج، وغيض من فيض النشاط الخيري والإنساني الذي عرف به هذا العربي الأصيل الذي صح أن يقال فيه:
خمسون عاما والذراع طويلة في البر والمعروف والإحسان